عندما بدأت صباح مشوارها الفني في الأربعينات، اعتبرت ممثلة أكثر من أنها مغنية أو مؤدية، فقد بدأت شهرتها من التمثيل في القاهرة. بعد سنوات قليلة، نضج صوت صباح بعد أن تعلمت أصول الغناء، وأدخلت على السينما أسلوبها الغنائي الخفيف والجذاب. قدمت مساهمتها المختلفة في الأغنية المصرية مع محمد عبدالوهاب ورياض السنباطي وفريد الأطرش وبليغ حمدي وغيرهم، طبعت بصمتها في أغانٍ مثل ساعات ساعات وعاشقة وغلبانة وأثبتت نفسها كمغنية محترفة.

لقبت صباح بالشحرورة تيمنًا باسم ضيعتها في لبنان وادي الشحرور، واختلفت تجربتها عن باقي المغنيات اللبنانيات اللواتي مشين على نفس الدرب، عندما قررت العودة إلى عمق جذورها والمشاركة بتأسيس اللون الجبلي اللبناني، حتى صارت رائدة الأغنية الجبلية والموال في فترة الخمسينيات والستينيات.

حرصت صباح على تقديم حالة متفردة في إصداراتها، واختارت إلى جانب الملحنين مجموعة من الشعراء بعناية تامة، مع إدراكها لأهمية المحتوى الشعري واندماجه مع اللحن المتقن. حضرت ثيمة القرية وجمالياتها لتضيف حيّزًا من الأصالة إلى أعمالها، ولتربطها بجذورها فتقدّم تجربة متناغمة وعاطفية للمستمعين. ارتبطت صباح بهويتها الثقافية وقدمت موضوعات عنوانها بالفخر والاعتزاز بالهوية الوطنية، مما أظهر براعة صوتها وقدرته على التكيف مع الثيمات المختلفة. 

نجمع في هذه القائمة مجموعة من أعمال صباح وإسهاماتها في الأغنية اللبنانية مع مجموعة من أهم ملحني هذه الحقبة. 

يمكننا اعتبار ألو بيروت واحدة من أهم كلاسيكيات صباح، خاصة وأن ثنائية القرية والمدينة كانت حاضرة دومًا في أعمالها. صدرت الأغنية سنة ١٩٥٦ وأعطاها جورج ثابت لحن مليء بالنوستالجيا، وإيقاع يناسب كلمات توفيق العطار عن التغيرات الثقافية والاجتماعية التي عاشتها بيروت في تلك الحقبة. نقلتنا صباح معها إلى أحياء بيروت في الحمرا والروشة والأشرفية. لم تكن ألو بيروت مجرد أغنية بل كانت توثيقًا لحقبة ما قبل الحرب الأهلية، عندما عرفت الإذاعة اللبنانية ازدهارًا وظهرت الحريات العامة "الصحافة عطيني خط النقابة".

تعاملت صباح مع فليمون وهبي في عدد كبير من الأغاني، من مرحبتين مرحبتين إلى غلطان بالنمرة وغيرهم الكثير. لكن تبقى عالعصفورية واحدة من أكثر الإصدارات التي أظهرت الفروق العاطفية الدقيقة التي تنقلها صباح بصوتها، وكيف تستخدم اللحن لتنقل بمهارة مشاعر الحب والعلاقات المعقدة. كتب الكلمات عبدالجليل وهبي الشاعر المعروف بكتابته عن مواقف طبيعية تحصل أمامه، حكت الكلمات عن عاشقة قادها حبيبها إلى الجنون وأوصلها إلى مستشفى المجانين. كما تعاونت مع فليمون وعبدالجليل أيضًا في دخل عيونك حاكينا. 

قدمت صباح عشرات الأغاني من ألحان عفيف رضوان، وهو واحد من أهم ملحني الأغنية الجبلية مع نجاح سلام ووديع الصافي وغيرهم. كتب كلمات الله يقصف عمر الحب الشاعر ميشال طعمة، وصدرت من فيلم موال سنة ١٩٦٦. توهمنا صباح في موال الأغنية بالحزن ويغرق صوتها بعرب حزينة وعميقة، لكن ما أن تفتتح الأغنية تنتقل إلى نغمة السخرية والاستهزاء بالحب والعلاقات العاطفية. كما قدمت من ألحان عفيف رضوان غربل يا غربال  من كلمات توفيق عطار. 

استهلت صباح عالبساطة بصوتها الخافت المخملي، عرف سهيل عرفة إمكانيات صوتها وأعطاها لحنًا جبليًا سريعًا يناسب جو الستينات. دائمًا ما كان رأي صباح بالحب والرومنسية مختلف عن الجميع، وفي وقت الغزل الرقيق غنت ببساطة عن العيش بزهد من كلمات ميشال طعمة. خرجت الأغنية من فيلم أهلًا بالحب سنة ١٩٦٨، وقدمت في منتصفها موال طويل أظهر نضج صوتها وجمالياته التي طورتها طوال السنين. 

https://youtube.com/embed/QwgrXbDuyAo 

غنت صباح من ألحان الرحابنة لكنها لم تترك بصمتهم تطبع على أعمالها، بل طبعت هي بصمتها القوية، خاصة في جيب المجوز يا عبود ذات اللحن المشرقي. يباغتها الجمهور بالتصفيق والصراخ خلال أداءها موال هذه الأغنية في واحدة من حفلاتها. سمح لها لحن الرحابنة الخفيف بأن يكون أداءها استعراضي راقص أكثر من طربي، مليء بالضحك واللعب والرقص على المسرح. نسيت عرب صوتها أكثر من مرة، إلا أنها عادت وتذكرت في منتصف العرض العودة إلى التعريب والتفخيم. قدمت أيضًا عالندا الندا ذات الطابع الجبلي من ألحان الرحابنة، لكنها لم تصدر الكثير من التعاونات معهم، فقد اختلفت شخصيتها كثيرًا عن ما قدموه. 

تعاونت صباح مع الكاتب توفيق بركات الذي طالما عبر عنها وعن شخصيتها، خاصة وأنه كان معروف بكتاباته المستمدة من حياته في القرية. مثّلت عالضيعة توثيقًا لإحساس التوهان والضياع الذي يشعر به القرويون في المدن الكبيرة، ومعاناتهم مع الفوارق الطبقية والاجتماعية في بيروت. ما أضفى على هذه الأغنية رونقًا خاصًا  كان ألحانها التي أبدعها محمد عبدالوهاب، فقدّم توليفة فريدة جمعت بين الدقة البلدية المصرية والنغمة الشرقية. غنت صباح من كلمات توفيق بركات وألحان فيلمون وهبه أغنية شو اسمك.

قدّمت  صباح عشرات الأغاني من كلمات وألحان زكي ناصيف، وعرف بقدرته على تأليف ألحان تتناغم مع المشاعر التي تعبر عنها كلماته. حوّلت صباح هذه التجارب إلى أعمال قوية ومعبّرة بصوتها القوي، حتى صارت كلاسيكيات خالدة في أرشيف الموسيقى العربية. نقلت أهلا بهالطلة الحالة الاجتماعية لأهالي القرى وسلّطت الضوء على العادات والتقاليد في الحفلات والتجمعات من الدبكة والغناء والرقص كما أثنت على طبيعة لبنان وجمالها. ووجه زكي ناصيف بصوت صباح المنتشر رسائل إلى المغتربين  في ع لبنان لاقونا، ويا جبال بلادي الخضرا.

تعتبر أخدوا الريح واحدة من أكثر أغاني صباح حزنًا طوال مسيرتها، وتتميّز بعمقها العاطفي وطرحها المختلف لموضوعات الحب والشوق. حملت الأغنية توجهًا موسيقيًا مختلفًا مع عازف البزق مطر محمد، وتعد واحدة من أشهر ألحانه. كتب الكلمات روميو لحود وأدتها صباح بصوت عاطفي مشحون وقوي، كما كتب لها من تلحين عصام رجي يا ناس الدنيي دولاب.

أحبت صباح الحس الوطني في كلمات إيلي شويري، خاصة وأنه يعتبر رائد الأغنية الوطنية اللبنانية. قدمت تعلا وتتعمر يا دار في مسرحية ست الكل، لتكون أول تعاون يجمعهما. أدت صباح الأغنية بشموخ صوتها العريض وأعطت الأبيات القوية حقها، وحفرت مكانها في تاريخ الأغنية الوطنية اللبنانية.